لماذا تتصدر الولايات المتحدة عدد الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا الجديد؟
تجاوز العدد الإجمالي لحالات الإصابة كوفيد-19 في الولايات المتحدة عتبة الـ 750 ألف مساء يوم الأحد، ليصل إلى 759086 حالة حتى الساعة 8:00 مساء (عند منتصف الليل بتوقيت غرينتش يوم الاثنين)، وذلك وفقا لما ذكره مركز علوم وهندسة النظم في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية. كما سجلت 40661 وفاىة ناجة عن المرض في البلاد بحسب المركز نفسه. وهو ما جعل الولايات المتحدة الدولة التي تشهد أكبر عدد من الوفيات بالمرض في العالم، حيث سجلت في ولاية نيويورك معظم الحالات، وكذلك أعلى عدد من الوفيات.
في الحادي عشر من أبريل أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن حالة "الكارثة الكبرى" في ولاية وايومينج بسبب انتشار وباء فيروس كورونا الجديد فيها، وهو ما يعني أنه ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة يتم الإعلان عن حالة الكارثة الكبرى في جميع الولايات الخمسين والعاصمة واشنطن، وجزر فيرجن الأميركية وجزر ماريانا الشمالية وجزيرة غوام وبورتوريكو.
ينتشر وباء "كوفيد-19" باستمرار في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وتعاني الأنظمة الطبية والصحية العامة في ولايات عدة من الحمل الزائد، كما أدى الوباء لإغلاق المؤسسات في الولايات المتحدة إلى ركود اقتصادي، وارتفاع عدد العاطلين عن العمل بشكل مستمر. ومنذ أن أعلن دونالد ترامب عن "حالة الطوارئ الوطنية" لمواجهة انتشار وباء كورونا في 13 مارس، تقدم 16 مليون أمريكي على الأقل بطلب للحصول على إعانات البطالة. قالت نائبة رئيس مجلس المحافظين للنظام الاحتياطي الفدرالي سابقا، جانيت يلين، إن هذا هو أسوأ مستوى للبطالة في الولايات المتحدة منذ الكساد الكبير.
خروج الوباء عن السيطرة نابع من ضعف الفيدرالية الأمريكية
قال الباحث في جامعة ويسكونسن-ماديسون، يي فو شيان: إنه من الصعب السيطرة على حالات الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا الجديد في الولايات المتحدة لأقل من 60 ألف شخص، ولكن العدد من الممكن أن يكون أقل من 100 ألف شخص. يشهد وضع الوباء في الولايات المتحدة تطورا سريعا، كما يشهد معدل الوفيات ارتفاعا كبيرا أيضا، 80% من المتوفين هم من كبار السن. ويضيف: إن وسائل النقل والمواصلات الجوية في الولايات المتحدة متقدمة جدا، وعمليات التنقل بين الولايات داخل البلاد مستمرة دون انقطاع، وأنماط حياة الناس غير منتظمة وغير منسقة، والحريات الشخصية تأتي في مقدمة الحريات، ولذا فإن هذا الوضع مناسب جدا لانتشار الأوبئة والأمراض المعدية. إذا لم تتم السيطرة على تفشي الوباء الحالي، فإن عدد حالات العدوى سوف يتجاوز 50%، وسيصاب مئات الملايين من الناس بالعدوى.
قال "يي" إن الميزة الأمريكية هي الفيدرالية، والحكومات المحلية لديها قوة عظيمة. ومع ذلك، بسبب الأزمات العامة المتكررة، أصبحت سلطة الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة أكبر فأكبر. يمكن القول إن حالة الكارثة الحالية في نيويورك ناتجة في نهاية المطاف عن سياسة إجراء الفحوصات الجامدة للحكومة الفيدرالية والإمدادات الضعيفة في مجال معدات الفحص، بالإضافة إلى عيوب في عمليات الفحص ذاتها..
بالمقارنة مع المجموعات العرقية الأخرى، من الواضح أن معدل الإصابة بالعدوى ومعدل الوفيات بفيروس كورونا الجديد في وسط الأمريكيين من أصل أفريقي أعلى من مثيلاتها للعرقيات الأخرى، حيث قال "يي"إن الأمريكيين من أصل أفريقي يعيشون في مناطق مكتظة بالسكان في المدينة، مما يسهل إصابتهم بالعدوى. لذاك فإن معدل الإصابة بالعدوى ومعدل وفيات في وسط هذه الفئة مرتفع بشكل عام نسبيا.
مساوئ النظام الطبي الأمريكي تجلىت بشكل كامل خلال فترة تفشي الوباء
قال"يي"إنه في الوقت الحالي، يبلغ معدل استخدام الأسرة الطبية في المستشفيات في الولايات المتحدة هو 49%، أي أن المرضى الذين يعانون من أمراض أخرى يستخدمون الأسرة الطبية أيضا، ولا يمكن إخلاء الكثير من الأسرة. وأن إمكانات التوسع في أسرة المستشفيات الأمريكية تبلغ 150 ألف سرير فقط، وهو ما يعني أنه حتى ولو بعد التوسع، لن يتوفر سوى 1.1 مليون سرير في الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك،فإن هناك 64 ألف سرير فقط مخصصة للعناية المركزة في الولايات المتحدة. لذا فإنه وبمجرد خروج الوباء من السيطرة، من المحتمل حدوث أزمات طبية في بعض المناطق.
تكلفة الرعاية الطبية في الولايات المتحدة هي الأغلى في العالم. في عام 1980، شكلت النفقات الطبية الأمريكية 8% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي الآن تصل إلى 17% من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك، تمثل النفقات الطبية في الاتحاد الأوروبي فقط 9% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي اليابان تمثل أقل من 11%، وفي الصين تمثل 5% فقط. وعلى الرغم من التكلفة المرتفعة للرعاية الطبية في الولايات المتحدة، فإن الفعالية منخفضة للغاية. بالإضافة إلى ذلك، فإن متوسط العمر المتوقع للأمريكيين في الولايات المتحدة هو الأقصر بين الدول المتقدمة، ولم يرتفع مطلقا بل انخفض في السنوات الأخيرة.
أشار "يي" إلى أن النظام الطبي الغير مناسب يمثل مشكلة كبيرة وصعبة في الولايات المتحدة، مما يتسبب في ضغوط مالية ضخمة، كما يعيق التنمية الاقتصادية الأمريكية. وضعت جميع الفترات الرئاسية الأمريكية الإصلاح الطبي في المرتبة الأولى، ولكن من اللاحظ أنه كلما زاد الإصلاح زادت التكلفة وانخفضت الفعالية. وأن هناك قلق كبير من عدم قدرة النظام الطبي الأمريكي على تحمل تأثير هذا الوباء.
الوباء يزيد من حدة السياسة الخارجية التي تعتمدها إدارة ترامب – وهي إستراتيجية "أمريكا أولا"
تسبب وباء فيروس كورونا الجديد في توجيه ضربة قوية للاقتصاد الأمريكي، ومن المتوقع أن 20% من الناس سيصبحون عاطلين عن العمل، وهو الأسوأ منذ الكساد الكبير الذي حدث في الثلاثينيات. وحتى بعد الأزمة المالية لعام 2008، كان معدل البطالة في الولايات المتحدة أقل من 10%.
كما جعلت أزمة الوباء الشعب الأمريكي مدركا لهشاشة سلسلة التوريد العالمية، ومن المتوقع أن تكون هناك تدابير أكبر نحو الاكتفاء الذاتي الانتقائي وتعزيز صناعة التصنيع المحلية. ونتيجة لذلك، فقد تم فصل هذه الصناعات بين الصين والولايات المتحدة جزئيا، حيث يضعف ذلك أيضا من التبادلات التكنولوجية فيما بين الدولتين. وإذا ما تسبب الوباء في حدوث عدد أكبر من الوفيات في الولايات المتحدة هذه المرة، فذلك ييعني أن الولايات المتحدة لم تستفد من منظمة الصحة العالمية، وبالتالي فإن الولايات المتحدة ستولي اهتماما أقل بمنظمة الصحة العالمية في المستقبل.
قال "يي" إن الوباء يمثل نهاية حقبة قديمة وبداية عهد جديد. تم إنشاء النموذج الاقتصادي والنظام الدولي الحاليين بعد الحرب العالمية الثانية وتسيطر عليهما الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن تأثير وباء فيروس كورونا الجديد على الولايات المتحدة كبير جدا، وسيغير تماما من الهيكل الاقتصادي والهيكل السياسي العالمي الحالي. حيث ستتعرض العولمة لعرقلة شديدة، وستتغير سياسات الهجرة والتقسيم الصناعي والهيكل التجاري في مختلف البلدان، وكذلك إنتاج الناس وأنماط حياتهم.
لقد أدت العولمة إلى الانخفاض المستمر في التصنيع الأمريكي. إن تدهورالصناعة التحويلية يعني انخفاضا في القوة الوطنية الشاملة. تعتمد الكمامات الطبية المطلوبة من قبل الولايات المتحدة بشكل كبير على الواردات، كما لا يمكن لمخزون أجهزة التنفس الصناعي في البلاد تلبية احتياجات المرضى بالوباء، واضطرت الولايات المتحدة لاستخادم "قانون إنتاج الدفاع الوطني" حاليا لتسريع إنتاج أجهزة التنفس الصناعي. على كل حال، تفتقر الولايات المتحدة إلى القدرة الصناعية في تلبية احتياجاتها الخاصة، ناهيك عن تقديم المساعدة للدول الأخرى مع تفاقم الأزمة. #معا_ضد_كورونا #TradeTalks
إرسال تعليق